انظر إلي طفلتنا كم هي جميلة
- وذكية ؟؟هذا ظاهر في بريق عينيها
- نعم إنها ذكية جداً وتتابع كل شئ حولها في الغرفة بشغف شديد
- أعتقد أنها ستبدأ في التحدث إلينا قبل أن تستكمل عامها الثاني
- ها ها ها بل قولي عامها الأول
لم يكن مستر ومسز كيلر يتصوران ما تخبئه الأقدار من مفاجآت حين دار بينهما هذا الحوار ...فبعده بثلاث أيام ارتفعت حرارة الصغيرة وبدأت أمها في إعطائها العلاج مثل كل الأطفال حتى بدأت الحمى تزول بالتدريج وتحسنت أحوالها
- لقد أصبحت كثيرة النوم يا عزيزي
- إنها محمومة ومنهكة لا تتعجلي حركتها
- أشتاق لخطواتها المتعثرة ونغمات صوتها الصغير
- صبراً .... صبراً
دوت صرخة السيدة( كيلر )في حجرة صغيرتها فشقت جدران المنزل وجاء زوجها مسرعاً
- مالك يا عزيزتي ماذا حدث ؟
- إنها لا تراني .... أن ابنتنا لا ترى
- ربما ...ربما هي نائمة .... وأنت .... إنها ...... هيلين ...ردى على حبيبتي ..استيقظي بابا يريد أن يلعب معك
- هيلين
- هيلين
علا صوت الأبوين حتى أصبح صراخاً ولكن (هيلين) لم تلتفت ولم يبدر منها أى رد فعل ..
لقد شفيت من الحمى ولكنها تركت في جسدها الصغير ذكرى لا تُنْسَى ..
لقد أصبحت صمَّاء ..عمياء وبالتالي بكماء
بعد أيام من الصدمة الأولى التفت الأم إلي ما تبقى من ابنتها ا لملقى إلي جوارها على الأريكة وصممت بينها وبين نفسها أن تهز هذا الذكاء حتى تستخرج منه كل ما يمكن أن يعطيه ..
لم تكن تدرى أين البداية حتى واتتها فكرة يوماً وهى تستعد لتطعم صغيرتها ..لقد بدأت الصغيرة تشير إلي كف يدها بأحد أصابعها راسمة شكل الفطيرة الصغيرة ..
فاستغلت الأم الفرصة أعادت رسمها على الكف الصغيرة وكأنَّها تسأل ... فهزت الصغيرة رأسها بالموافقة ...... وكانت البداية ....بدأت (هيلين) تتحدث مع العالم ببعض الإشارات البسيطة ... .بدأت الأم تبحث عن مدرسة للصغيرة ورشحت لها مديرة أحد مراكز المكفوفين السيدة( آن سوليفان) وهى سيدة أصابها العمى لفترة طويلة ثم عاد إليها جزء بسيط من الإبصار .... وكانت السيدة(سوليفان) قريبة من المكفوفين ولكنَّها تتعايش مع المبصرين بهذا البصيص الذي أضاء أحد أركان عينيها
حين بدأت علاقة المعلمة بتلميذتها كان عمر الصغيرة 6 سنوات .... وقد شعرت (آن) بذكاء(هيلين) المتقد وأملت خيراً فيه ولكن الزهرة الصغيرة كانت قد اعتادت التدليل واللعب ... وكلما كانت تشرد وتتعمد ألاَّ تطيع معلمتها كلما تأكدت السيدة (سوليفان) أنها تفهم وتعرف ما يراد منها بالضبط...
وفكرت (آن) أن تُحَوِل المسألة إلي لعبة فبدأت بعمل ماكيتات لحروف بارزة ولخرائط على أرض الحديقة في تكسميا بولاية الاباما .. وبدأ اهتمام الصغيرة ينجذب تجاه هذه الملامسات الجديدة وفى عام واحد حفظت تسعمائة كلمة وأصبحت قادرة على تكوين جمل بالكتابة على كف يدها..... .
وظهر التحدي الأكبر(لآن) حين قررت أن تساعد(هيلين) في النطق ...إن(هيلين) كانت فعلاً تنطق بعض مقاطع وليس لديها أي مشكلة مع الكلام سوى أنَّها لا تسمعه ..... وبمساعدة (سارة فولر) وهى مدرسة متخصصة في تعليم الصم بدأت رحلة البحث
الأم :هذا يكفى يا ميس (آن)..
الأب : نحن سعداء جداً بهذه النتيجة
الأم: لقد أصبحت (هيلين) طفلة رائعة ..ما تصورت ذلك أبداً
آن : ولكنى أطمع في أكثر من ذلك ..إنَّها تستطيع ...
وخرحت (آن) مسرعة إلي حيث تجلس (هيلين) صامتة ..كانت أحياناً تُصْدِرُ أصواتِ همهماتٍ ..وهذه الهمهمات كانت تُشَجِّع (آن) على محاولة استخراج كلمات من فم الصغيرة ....
هزت (هيلين) رأسها ورسمت علامة الشراب على يديها ..ولكن (آن) كانت منهمكة في التفكير فلم تلحظ الإشارة ..واشتدت عصبية (هيلين) وهى ترسم الإشارة وبدأت تمد يدها الصغيرة باحثة عمن حولها حتى اصطدمت (بآن) ... فبدأت تشدها بعصبية .. والتفت (آن) إليها
- اوه يا (هيلين) أنا متعبة ولا أستطيع العودة للمنزل لإحضار كوب ماء
- ألا يوجد صنبور ماء في هذه الحديقة ؟
- هذا هو هناك تعالى يا (هيلين)
أوقفت (آن) هيلين بعد أن تأكدت أنَّها قريبة من الصنبور لدرجة تجعلها قادرة على الوصول للماء
- انتظرى يا صغيرتى حتى أفتحه..
- واوا .... واوا..
- انتظرى يا (هيلين) ..
- واوا..
- ماذا ؟؟ ماذا قلت ؟؟ واوا ..نعم واوا ...ماء .... انتظرى
أخذت (آن) تُكَرر كلمة (واوا) وهى تضع يد (هيلين) على حنجرتها وشفتيها ..ثم على فم الصغيرة ورقبتها وأخذت تُكَرر ذلك أكثر مِنْ مرة .... حتى التقطت (هيلين) ما تريده المدرسة ..... لقد كان صوت خرير الماء هو ما حَرَّك ذاكرة الطفلة .... لهذا المقطع الذي استعملته رضيعة للتعبير عن الماء ...
- سيدة سوليفان ... إنك رائعة ...
- كانت (هيلين) إذا شعرت بالماء على وجهها تقول (واوا) أي ماء
- ماذا كانت تقول أيضا ؟
ومن واوا ...بابا ....دادا ...ماما وضعت (آن) يد الصغيرة على فمها وحنجرتها لتشعر بحركة الشفاه ودائرة الأسنان عند النطق..... وبدأت (هيلين) مرحلة أخرى وبصعوبة شديدة كان من حولها يفهموا هذه الأصوات التي تصدرها ولكن (هيلين) و(آن) انطلقتا في طريق هزيمة المستحيل ولم يكن شيء ليوقف هذا التقدم ..وبدأت(هيلين) تمرينات صعبة لتحسين النطق ...هل يتصور أحد ذلك شابة صغيرة تحاول تحسين ما لا تسمع أو تدرك أو تعرف حتى كيف هو ..... ولكنها نجحت وانهالت عليها الطلبات لإلقاء المحاضرات
وفي أوقات فراغها كانت (هيلين) تخيط وتطرز وتقرأ كثيراً، وأمكنها أن تتعلم السباحة والغوص وقيادة المركبة ذات الحصانين.
ثم دخلت في كلية (رد كليف) لدراسة العلوم العليا فدرست النحو وآداب اللغة الانجليزية، كما درست اللغة الألمانية والفرنسية واللاتينية واليونانية.
ثم قفزت قفزة هائلة بحصولها على شهادة الدكتوراه في العلوم والدكتوراه في الفلسفة.
في الثلاثينات من القرن قامت (هيلين) بجولات متكررة في مختلف أرجاء العالم في رحلة دعائية لصالح المعوقين للحديث عنهم وجمع الأموال اللازمة لمساعدتهم، كما عملت على إنشاء كلية لتعليم المعوقين وتأهيلهم، وراحت الدرجات الفخرية والأوسمة تتدفق عليها من مختلف البلدان.
ألفت هيلين كتابين، وكانت وفاتها عام 1968م عن ثمانية وثمانين عاماً.
د. نعمت عوض الله
المصدر
http://amrkhaled.net/articles/articles32.html
اهدى هذه القصة للنفوس الضعيفة التى التى تستطيع ان تعين نفسها ولا تعين غيرها.
أنها حققت الكثير برغم من أنها ذات احتياجات خاصة بالإيمان والاصرار والإرادة يستطيع
الإنسان أن يفعل الكثير ...قصة هيلين كيلر فيها الكثير من الالهام لنا
جميعاً لنواصل العمل والتعلم في هذه الحياة.
حصلت هيلين كيلر على جائزه نوبل فى الادب